بغداد.. وقممها العربية الثلاث!

هناك الكثير من المتشائمين الذين يرون ان ما هو افشل من مشروع الجامعة العربية التي تشكلت عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، هي مؤسسة القمة العربية، فالبعض يرى في القمم مجرد حفل على اعلى مستوى للزعماء والقادة العرب يتبارى فيه المتحدثون بإلقاء الخطب العصماء ويحرص الزعيم الذي يريد شعبية له في الشارع على القاء خطبة نارية وهي بالعادة خطبة لا تكلف صاحبها شيئا سوى نبرة صوت حاد وتهديد ووعيد لاعداء الامة وخاصة اسرائيل.
هناك دول عربية لم تستضف الى اليوم قمما سياسية للقادة مثل الكويت والامارات وعمان والبحرين، وهناك دول دخلت القمم التى عقدت فيها التاريخ لسبب او لاخر، فقمة انشاص التى تعد عمليا وليس رسميا اول قمة عربية وعقدت في الاسكندرية في ايار 1946 في يخت الملك فاروق كانت قمة بلا معنى وقاطعها الوصى على العرش العراقي الامير عبد الاله لكراهيته للملك فاروق، وهناك قمة الخرطوم عام ايلول 1967 المسماة قمة اللاءات الثلاث ( لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض )، وهناك قمة الرباط في اكتوبر عام 1974 التى دخلت التاريخ لان العرب قرروا الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وقمة شرم الشيخ اذار 2003 والتى اعتبرت قمة الضوء الاخضر العربي لاسقاط نظام صدام حسين في العراق.
وبغداد التى ستعقد فيها القمة العربية رقم 37 احتضنت قبل هذه القمة قمتين، تركتا اثرا سياسيا فارقا في الحياة السياسية العربية، الاولى كانت عام 1978 في اعقاب زيارة السادات الى القدس المحتلة حيث اخذ وقتها العرب قرارا بتجميد عضوية مصر في الجامعة العربية وعزلها باستثناء عمان والصومال اللتين لم تلتزما بالقرار، والثانية في ايار 1990، حيث شكلت تلك القمة بسبب التشنج بين العراق من جهة وكل من الكويت والامارات بسبب الاتهامات العراقية لهما بشان اغراق السوق بالنفط والتسبب بانهيار سعره، شكلت مقدمة للاحتلال العراقي للكويت في الثاني من اغسطس من نفس العام اي بعد اقل من ثلاثة شهور والكل يعلم تداعيات هذا الاحتلال ونتائجه المأساوية التي مازلنا نعيشها الى الآن.
القمة العربية الثالثة في بغداد تحمل هي الاخرى علاماتها الفارقة، فهي اول عودة للعرب الى بغداد بعد احتلالها من القوات الاميركية عام 2003، وهي اول قمة عربية ستعقد في مدينة نسبة الامن فيها من ادنى مستويات الامن في العالم، وفي اول مرة في تاريخ القمم العربية ستكون المساحة الامنة للقمة لا تتعدى عدة كيلو مترات وبحراسة واشراف قرابة 100 الف جندي وهو رقم غير مسبوق وستكون اقصر قمة في تاريخ العرب حيث من المتوقع ان تعقد ليوم واحد لعدة ساعات بثلاث جلسات، افتتاح وجلسة مغلقة، واختتام، كما من المتوقع ان يكون عدد الملوك والرؤساء والامراء الذي سيشاركون هم الاقل في تاريخ القمم لاسباب سياسية وامنية.
اما من حيث القرارات وبسبب التأثير الايراني الواضح والقوي على بغداد فمن المتوقع ان نجد صعوبة وربما سنرى اشكاليات داخل القمة بشان القرارات المتعلقة بالقضايا التالية :
اولا: بشان الوضع في سوريا والتي لن يحضر رئيسها بضغط واضح من المنظومة الخليجية.
ثانيا: بشان الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة من قبل ايران.
ثالثا: الوضع في البحرين ومسالة دعم شرعية الحكم.
رابعا: بشان السلاح النووي الايراني والموقف منه وموضوع امن واستقرار الخليج العربي.
خامسا: القضية الفلسطينية وعملية السلام ودعمها.
سادسا: امن واستقرار العراق والمصالحة الوطنية فيه واستكمالها وهو امر تصر بعض الدول العربية على ضرورة طرحه في القمة.
كل تلك القضايا تشكل مجالا حيويا للتجاذب بين اغلبية الدول العربية المشاركة وبين بغداد التى تستضيف القمة والواقعة تحت التأثير الايراني عليها في كل تلك الملفات المشار اليها.
في كل الاحوال ستدخل قمة بغداد العربية الثالثة التاريخ كما دخلتها القمتان الماضيتان، ولكن هذه المرة ربما بصورة مختلفة تماما.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]