أثار المؤتمر المنعقد في باريس باسم «أصدقاء الشعب السوري» جملة ملاحظات في أوساط الذين تابعوه واستمعوا إلى خطب المتكلمين فيه، لعل أبرزها أنّ هذا المؤتمر الذي بدأ بطبعته الأولى ضاغطاً على النظام السوري، تحوّل ضغطاً على روسيا والصين من أجل تمرير قرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
حين يأتي الأمر إلى إسقاط النظام السوري أو تنحّي الأسد، تأخذ واشنطن وحلفاؤها دور «المنجّم»
T+ | T-
غير أنّ مؤتمر باريس اشتمّ البعض منه رائحة ضغط غير معلن على الإدارة الأميركية نفسها لدفعها إلى قيادة عمل عسكري ضدّ دمشق. وربط هؤلاء بين هذا الضغط الذي يتعرّض له الرئيس الأميركي باراك اوباما المنشغل بمعركته الانتخابية، وبين زيارة السيناتور الجمهوري جون ماكين للبنان ودعوته الصريحة إلى إقامة قواعد لـ"الجيش السوري الحر" على الأراضي اللبنانية.
فهذه التصريحات التي سبقت مؤتمر باريس والتي تُذكّر بتصريحات مماثلة لماكين وزميله جوزف ليبرمان المعروفين بعلاقتهما باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، تعطي فكرة مفادها أنّ خصوم أوباما يحاولون إحراجه في الموقف من الأزمة السورية، فهو إذا تورّط عسكرياً تقوم عليه ولا تقعد في بلد ما زال يبحث عن سبيل آمن للخروج من أفغانستان. وإذا لم يتحرّك عسكرياً يمكن اتّهامه بالمشاركة في سفك الدم السوري والتخلي عن قيَم الحرية وحقوق الإنسان.
ومن هنا، لم يكن أمام إدارة أوباما وممثّلتها وزير الخارجية هيلاري كلينتون سوى التصعيد الكلامي لتغطية العجز الفعلي، فحين يأتي الأمر إلى إسقاط النظام في سوريا أو تنحّي الرئيس بشار الأسد، تأخذ كلينتون وزملاؤها الأوروبيون دور"المنجّم" الذي يتحدّث عن "سقوط حتمي" للأسد من دون الحديث عن إجراء فعلي على هذا الطريق.
وفي هذا المجال، يعتقد سياسيون أنّ الاستراتيجية الأميركية، ومعها الاستراتيجية الغربية ما زالت تقوم على أساس إنهاك النظام السوري وشيطنة صورة الأسد وتدمير الجيش والدولة في سوريا، وهو أمر لا يلتقي مع إسقاط النظام بسرعة قبل أن يكتمل تدمير سوريا.
ويرى هؤلاء السياسيون أنّ مؤتمر باريس قد أضرّ بالمعارضة السورية أكثر ممّا أفادها، فهو على الصعيد العملي لم يقدم إلّا الكلام وبعض المساعدات المالية التي تتكفّل دول خليجية بتوفير أضعافها للمعارضة، بينما اهتزّت الوطنية السورية العريقة أمام مشهد مؤتمر ينعقد في باريس لمساعدة بلدهم الذي لا ينسى أبناءه في إدلب مع ابراهيم هنانو، وفي حماه مع سعيد العاص، وفي دمشق مع يوسف العظمة وفي جبل العرب مع سلطان الأطرش، وفي الساحل مع صالح العلي، ودماء آلاف الشهداء الذين سقطوا بنيران جيش الانتداب الفرنسي.
كذلك لا ينسى أهل لواء الإسكندرون الصفقة التي انعقدت بين باريس وأنقرة عبر سلخ أهل هذا اللواء ومعه أنطاكيا، أكبر مدن المنطقة عن سوريا في مثل هذه الأيّام من العام 1936. ويبدو أنّ رئيس "المجلس الوطني السوري" المعارض عبد الباسط سيدا لم ينتبه إلى رمزية عَلَم الانتداب الفرنسي، وذلك عندما وضعه على كتفيه وهو يلقي خطاباً في باريس.
ويؤكّد هؤلاء السياسيون أنّه "مهما كان حقد مجموعات سورية على النظام، فإنّ وطنية هذه المجموعات لا يمكن أن تقبل أن يتقرّر مصير بلدها في بلد استعمرها وسعى إلى تقسيمها إلى دويلات طائفية متحدياً الإرادة الوطنية للشعب السوري".
ويقول مراقبون "إنّ شهوة باريس لاستعادة دور قيادي في الأزمة السورية جعلتها تغفل حساسية وطنية سورية تجاه دور لها في حلّ هذه الأزمة، وهي حساسية أجّلت انعقاد هذا المؤتمر مرّات عدة، في حين أجاد الأتراك استغلال هذه الحساسية لإبقاء الورقة السورية في يدهم مع حليفهم القطري".
وإذ يتساءل سياسي سوري عن جدوى هذه المؤتمرات التي تكرّر نفسها كل مرة، ويتسارع انعقادها مع تسارع وتيرة الموت في سوريا". يعتقد البعض أنّ القرار الوحيد الذي سينفّذ من بين مقرّرات مؤتمر "أصدقاء سوريا" في باريس هو تحديد مكان المؤتمر المقبل وزمانه إذا استطاع القيّمون عليه الاتفاق على هذين الزمان والمكان.
ربّما "الصرعة" الوحيدة التي ميّزت مؤتمر باريس عن غيره هي نجاحه في استحضار مجموعة من أعضاء "تنسيقات الداخل" الذين قرّروا الهجرة من سوريا، فوجدوا في هذا المؤتمر تأشيرة مبرّرة لانتقالهم من "معسكر معارضي الخنادق إلى معسكر معارضي الفنادق".
جريدة الجمهورية
حين يأتي الأمر إلى إسقاط النظام السوري أو تنحّي الأسد، تأخذ واشنطن وحلفاؤها دور «المنجّم»
T+ | T-
غير أنّ مؤتمر باريس اشتمّ البعض منه رائحة ضغط غير معلن على الإدارة الأميركية نفسها لدفعها إلى قيادة عمل عسكري ضدّ دمشق. وربط هؤلاء بين هذا الضغط الذي يتعرّض له الرئيس الأميركي باراك اوباما المنشغل بمعركته الانتخابية، وبين زيارة السيناتور الجمهوري جون ماكين للبنان ودعوته الصريحة إلى إقامة قواعد لـ"الجيش السوري الحر" على الأراضي اللبنانية.
فهذه التصريحات التي سبقت مؤتمر باريس والتي تُذكّر بتصريحات مماثلة لماكين وزميله جوزف ليبرمان المعروفين بعلاقتهما باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، تعطي فكرة مفادها أنّ خصوم أوباما يحاولون إحراجه في الموقف من الأزمة السورية، فهو إذا تورّط عسكرياً تقوم عليه ولا تقعد في بلد ما زال يبحث عن سبيل آمن للخروج من أفغانستان. وإذا لم يتحرّك عسكرياً يمكن اتّهامه بالمشاركة في سفك الدم السوري والتخلي عن قيَم الحرية وحقوق الإنسان.
ومن هنا، لم يكن أمام إدارة أوباما وممثّلتها وزير الخارجية هيلاري كلينتون سوى التصعيد الكلامي لتغطية العجز الفعلي، فحين يأتي الأمر إلى إسقاط النظام في سوريا أو تنحّي الرئيس بشار الأسد، تأخذ كلينتون وزملاؤها الأوروبيون دور"المنجّم" الذي يتحدّث عن "سقوط حتمي" للأسد من دون الحديث عن إجراء فعلي على هذا الطريق.
وفي هذا المجال، يعتقد سياسيون أنّ الاستراتيجية الأميركية، ومعها الاستراتيجية الغربية ما زالت تقوم على أساس إنهاك النظام السوري وشيطنة صورة الأسد وتدمير الجيش والدولة في سوريا، وهو أمر لا يلتقي مع إسقاط النظام بسرعة قبل أن يكتمل تدمير سوريا.
ويرى هؤلاء السياسيون أنّ مؤتمر باريس قد أضرّ بالمعارضة السورية أكثر ممّا أفادها، فهو على الصعيد العملي لم يقدم إلّا الكلام وبعض المساعدات المالية التي تتكفّل دول خليجية بتوفير أضعافها للمعارضة، بينما اهتزّت الوطنية السورية العريقة أمام مشهد مؤتمر ينعقد في باريس لمساعدة بلدهم الذي لا ينسى أبناءه في إدلب مع ابراهيم هنانو، وفي حماه مع سعيد العاص، وفي دمشق مع يوسف العظمة وفي جبل العرب مع سلطان الأطرش، وفي الساحل مع صالح العلي، ودماء آلاف الشهداء الذين سقطوا بنيران جيش الانتداب الفرنسي.
كذلك لا ينسى أهل لواء الإسكندرون الصفقة التي انعقدت بين باريس وأنقرة عبر سلخ أهل هذا اللواء ومعه أنطاكيا، أكبر مدن المنطقة عن سوريا في مثل هذه الأيّام من العام 1936. ويبدو أنّ رئيس "المجلس الوطني السوري" المعارض عبد الباسط سيدا لم ينتبه إلى رمزية عَلَم الانتداب الفرنسي، وذلك عندما وضعه على كتفيه وهو يلقي خطاباً في باريس.
ويؤكّد هؤلاء السياسيون أنّه "مهما كان حقد مجموعات سورية على النظام، فإنّ وطنية هذه المجموعات لا يمكن أن تقبل أن يتقرّر مصير بلدها في بلد استعمرها وسعى إلى تقسيمها إلى دويلات طائفية متحدياً الإرادة الوطنية للشعب السوري".
ويقول مراقبون "إنّ شهوة باريس لاستعادة دور قيادي في الأزمة السورية جعلتها تغفل حساسية وطنية سورية تجاه دور لها في حلّ هذه الأزمة، وهي حساسية أجّلت انعقاد هذا المؤتمر مرّات عدة، في حين أجاد الأتراك استغلال هذه الحساسية لإبقاء الورقة السورية في يدهم مع حليفهم القطري".
وإذ يتساءل سياسي سوري عن جدوى هذه المؤتمرات التي تكرّر نفسها كل مرة، ويتسارع انعقادها مع تسارع وتيرة الموت في سوريا". يعتقد البعض أنّ القرار الوحيد الذي سينفّذ من بين مقرّرات مؤتمر "أصدقاء سوريا" في باريس هو تحديد مكان المؤتمر المقبل وزمانه إذا استطاع القيّمون عليه الاتفاق على هذين الزمان والمكان.
ربّما "الصرعة" الوحيدة التي ميّزت مؤتمر باريس عن غيره هي نجاحه في استحضار مجموعة من أعضاء "تنسيقات الداخل" الذين قرّروا الهجرة من سوريا، فوجدوا في هذا المؤتمر تأشيرة مبرّرة لانتقالهم من "معسكر معارضي الخنادق إلى معسكر معارضي الفنادق".
جريدة الجمهورية
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:24 pm من طرف الادارة
» رابط المدونة على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:20 pm من طرف الادارة
» مدونة عربي على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:19 pm من طرف الادارة
» تأملات
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي