الحق والقوة

منذ فترة باح لي صديق بما يضايقه ويقهره اذ انه عمل عند احدهم لفترة من الزمن وفي ظروف قاسية, وفي منطقة هي الاخفض على مستوى العالم ودرجة الحرارة فيها معدلها من اربعين الى خمسة واربعين, وبما انه يعمل في مهنة البناء فان ذلك يعني انه يعمل تحت اشعة الشمس المباشرة, قال لي هذه مهنتي ورزقي اجنيه منها وكان لا بد لي من اقبل العمل هذا كونه لا يوجد عمل حالياً في مدينتي التي اعيش فيها. صبرته وقلت له انما هو مكافح ورجل ذو بأس لا يقبل ان يأكل الا من عرق جبينه, تبسم ساخرا, فسألته ماذا هناك؟ قال لي لم احصل على أجري من هذا العمل وصاحب العمل يماطل ويماطل, ومرة ذهبت اليه في مكتبه وتحدثنا ورفعت صوتي عليه من قهري فاخذ يقول "هل تهددني؟ اشهدوا انه يهددني ساشتكي عليك وساحبسك فانت تهددني وامام الجميع"
انه اسلوب النصب الذي يحول صاحب الحق الى مجرم. صدقوني ان تألمت لألمه وبقيت اياماً اتحسر عليه, ويوما هاتفني صديقي واخبرني بأنه ذاهب ليضرب صاحب العمل ويهشم وجه اذ انه لم يعد يطيق معه صبراً وحاولت معه جاهدا محاولاً اقناعه بان ذلك لن يجدي نفعاً وبأن عليه ان يكون اكثر حرصاً في تعامله مع هكذا نوع من البشر واستحلفته ان يصبر عليه فلا بد ان يؤيده الله بنصر من عنده في هذه القضية اذا وكل امره اليه, وما هي الا ساعة حتى هاتفني مرة اخرى وقال لي ان صاحب العمل يقسم انه لا يملك دينار واحد, فسألته ان اتحدث مع صاحب العمل, واقسم بانه لا يملك نقودا في الوقت الحالي, وحدثت صديقي, فاشرت عليه ان يكتب له وصل امانه ويوقع عليه اثنان من الشهود, والمدين, وكان ذلك, وخابرني بعد دقائق قائلاً ان صاحب العمل لا يعرف كيفية التوقيع وانه انسان أمي, فتحدثت مرة اخرى مع صاحب العمل وقلت له بالحرف الواحد "وهل هناك من احد في هذا العصر لا يعرف كيف يوقع, وقع وانهي الأمر" وكان ان وقع, وهاتفوني بعد قليل وجرت مفاوضات, والذي فهمته ان صديقي كان مستأسداً هذه المرة للحد الذي ارحب صاحب العمل فحاول ان يرضيه بوصل الامانة هذا.
وجاء موعد الدفع الا ان صاحب العمل كان يتهرب حينا بأن يمهله اسبوع وحينا باغلاق هاتفه, وغيرها من الاساليب. الا ان جائني صديقي يوماً يطلب مني ان ارافقه للذهاب الى المحامي وبالفعل كان ذلك, وكان وصل الامانة مروس باسم الشركة وعليه اسم صاحبها واسم شريكه وهو شخصية سياسية مرموقة, حيث عرفه المحامي فور قرائته للاسم فكان ان هاتفه وكان الرد جاهزا بان "هذا الشخص ليس شريكي وانه يحاول استغلال اسمي واني ساقاضيه..." فاستهجنا الامر!
الا انه لم تمض دقائق حتى رن جرس الهاتف الخاص بالمحامي وكان هذه المرة هو صاحب الشركة المدين, واخذ يتودد بالحديث ويطلب الحل الودي من غير اللجوء للمحاكم, وتحدث مع صديقي وقال له "ان الامر لا يستحق كل هذه الشوشرة وان الموضوع سيحل اليوم ولا داعي للمحاكم. فضحكت بيني وبين نفسي, كيف ان هذا المدين احترف الاختفاء عن صديقي وكيف انه حين علم بامر المحامي من شريكه اتصل بصديقي خلال دقائق وحل المشكلة كلها.
توصلت الى نتيجة وما سردت هذه القصة الى لأوضح لكم ما وصلت اليه وهو ان البشر مثل الدول وان الدولة التي تترجى ان تحصل على حقها بالكلام الطيب لا تحصل على شيء, بينما الدولة التي تطلب حقها من مصدر قوة تحصل عليه وبكل يسر وسهولة وبساطة ومن دون عناء.
هل من داعي لأان اشرح اكثر من هذا؟