قراءة في قصيدة "سيد القوم" للمقنع الكندي

نفتقد في هذا الزمان الى النص الجميل الراقي الملتزم. وكل ما اقرأ قصيدة المقنع الكندي "سيد القوم" اشعر اني اقرأها لأول مرة لروعتها ونبل القيم التي تحملها فهذا المقنع الكندي الذي قيل انه لقب بذلك لشدة جماله فكان يلبس قناعاً خوف من العين.
هذا الرجل الذي عاب عليه قومه الفقر فرد قائلاً وما فقري الا لأني كنت استدين لاسدد لكم ديون المعسرين منكم.
يلخص هذا البيتين التاليين :
يعاتبني في الدَين قومـي وإنمـا
............................ديوني في أشياء تكسبهـم حمـداً

أسد بها ما قد أخلـوا وضيعـوا
.............................ثغور حقوق ما أطاقوا لها سـدا

ولم ينتقم الكندي لذاته ويخاصم قومه ويترفع عنهم ويتبرأ منهم اذ يقول انه مختلف جداً عن من يسيء اليه فهو لا يرد الاساءة بالاساءة.

وإن الذي بيني وبين بنـي أبـي
...........................وبين بني عمـي لمختلـف جـدا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهـم
............................وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا


وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
.............................وإن هووا غيي هويت لهم رشدا


ولاأحمل الحقـد القديـم عليهـم
...........................وليس يسود القوم من يحمل الحقدا

لم اكتب هذه القصيدة لاحللها فقط او افصل الفضائل التي تحتويها. انما اوردتها لأقدم مثال حي على ان الأخلاق النبيلة ليست امر طاريء في ثقافتنا وانما جزء اصيل منها وان ثقافتنا غنية بالنماذج المشرفة ولسنا بحاجة الى من يعطينا دروساً في الأخلاق وان ينظر علينا.
بقي ان اقول شيء واحد وهو انه في وقتنا هذا نحتاج الى ان نقارن نفسنا بالكندي فهل اذا تخاصمنا مع احد ما من احبتنا او اصدقائنا نحافظ على العهد بيننا ام اننا ننسى كل ما كان بيننا في لحظة الخصام هذه؟
هل نستطيع ان نتماسك انفسنا ونتحدث مع انفسنا ونحاورها قبل ان نحاور الاخرين؟
هل نحن نعيش مع من نحب ننتظر منهم زلة حتى نقول لهم "وداعا, لقد انتهى كل شيء بيننا"؟
ام اننا ندرك ان الاختلاف جزء من الحياة واننا يجب ان نعمل جاهدين لتخطيه وتجاوزه حتى تصبح العلاقة امتن واصلب فلا يهزها الى الثوابت