طارق العبد
السؤال عن بدء المعركة في حماه يبدو صالحاً لأي مدينة أخرى إلا هي، فـ«أرض النواعير» دفعت الثمن غالياًً لسنوات طويلة في الثمانينيات أيام الصراع بين النظام و«الإخوان المسلمين».
لكن الأنظار تعود اليوم لتتجه مجدداً إلى المنطقة التي ما زال جرح الثلاثين عاماً غائراً في قلوب أبنائها. ومع ذلك، رفعت شعار السلمية المطلقة وتظاهرت لفترة طويلة بأعداد حاشدة، في وقت أشعل مغنيها الثائر إبراهيم القاشوش ساحات المدينة التي تشهد تنوعا كامتداد لجاراتها حمص واللاذقية وطرطوس.
ولعل موقعها هذا هو سبب قرار «الجيش الحر» فتح جبهة جديدة في حماه تلتحق بمعركة الشمال، من جهة، وتفتح الطريق إلى حمص، من جهة ثانية، على حدّ قول قادة «الحر» في الإعلام. ولكن هل هم بالفعل مسيطرون على الشمال، لا سيّما أن الأجواء ما زالت في قبضة النظام؟ ولمن الغلبة بين المسلحين في المنطقة؟ هل هي للسلفيين أم لكتائب أكثر اعتدالاً؟ وما هو محل «جبهة النصرة» من الإعراب في حماه؟
ربما حان الوقت لتسليط الضوء على «أرض النواعير»، إذ لطالما ارتبط اسم حماه بالصراع مع «الإخوان»، رغم ذلك يقول أبناؤها إنهم لن يعودوا للعيش في جلباب «الإخوان»، طال الزمان أم قصر.
ويعرب الكثير من ناشطي حماه عن استيائهم مما قامت به الجماعة في المدينة. ويستحضر كثير منهم تجربة «الإخوان» في السبعينيات والثمانينيات ويكشف عن تكرار أساليبهم من جديد في «الثورة» السورية حالياً، بدءاً من شراء الولاءات والمال السياسي، وصولاً إلى دعم مجموعات محددة دون غيرها، في وقت يشتكي آخرون من تهميش أو تقليل لدور حماه وربطها بتصريحات الداعية السلفي عدنان العرعور، المتحدر من أرض العاصي، الذي تسبّب لها بحملة قاسية اعتبرتها خارج نطاق الحراك الشعبي، لتعود اليوم إلى الواجهة.
في المقابل، يبدو لافتاً بالنسبة للمحافظة الوحيدة في سوريا، التي لا حدود لها مع الخارج، بُعدها كل البعد عن التوتر الطائفي،على الرغم من تنوع المذاهب بين سنة وعلويين ومسيحيين وإسماعيليين، ما يجعل حساباتها مختلفة عن باقي المناطق.
لعل الطقس الماطر والعاصف كان السبب الوحيد الذي دفع معظم الحواجز العسكرية إلى الاكتفاء بإشارة من يدها لإكمال الطريق إلى حماه، التي تشهد إقبالا غير مسبوق على الأسواق لشراء وتموين الحاجيات الأساسية استعداداً للجبهة القريبة. وهي حركة يرافقها غلاء هستيري في بعض المواد وغياب مواد أخرى، أولها الطحين والمازوت، ما يعني نقصاً في الخبز وازدحاماً على الأفران، التي تعمل أقل مما تتوقف. أضف إلى ذلك فترات الانقطاع الطويلة في التيار الكهربائي، الذي يطال معظم الأحياء الحموية التي تتحول بعد غروب الشمس إلى سكون مطلق، تخرقه أصوات القصف والاشتباكات على تخوم الريف.
وفيما تخلو المدينة من أي انتشار للمعارضة المسلحة، تنتشر بكثافة القوى الأمنية والعسكرية التابعة للنظام والتي تقسم المدينة الصغيرة لمربعات أصغر. بعض الحواجز يكتفي بإلقاء نظرة على السيارات وبعضها الآخر يدقق ويبالغ في التدقيق، خاصة إن كان القادم من خارج حماه، وتحديداً من المناطق المشتعلة كدرعا وإدلب وحلب.
وفي المحصلة، هناك استياء عام من الحواجز في الريف المحيط بمدينة أبي الفداء، رغم تراجعها ربما بسبب هجمات «الجيش الحر» وربما، بحسب قول بعض الناشطين، بسبب إستراتيجية جديدة يتبعها الجيش النظامي وتقضي بسحب العناصر من الريف إلى المدن الكبرى خشية سقوطها. أما في قلب المدينة، فالمقار العسكرية والأمنية تشهد تحصيناً بالغ الشدة يرافقه إقفال لبعض الطرق.
هي إذاً الأيام التي تسبق الحرب، حيث يستعد «الجيش الحر» لدخول حماه و«تحريرها» بعد أن بدأ بعمليات عسكرية للسيطرة على الريف انطلاقاً من ريف إدلب الجنوبي. وهي حالة استدعت نزوح بعض الأهالي وتأمين ملاذ آمن نوعاً ما للأطفال والنساء.
يضاف إلى ذلك، أن تواجد كتائب «الجيش الحر» في المنطقة يعد ضعيفاً باعتبار أن معظمها قد توجه للقتال في حلب وإدلب. ويردف محمد، وهو ناشط إعلامي في المدينة، «أما في الريف، فالوضع أفضل إلى حد بعيد، وخاصة الريف المتصل بإدلب بداية من سهل الغاب وصولاً إلى بلدات طيبة الإمام ومحردة التي يسيطر عليها المقاتلون... فيما أعلن الجيش الحر أن مدن وقرى كفرنبودة وكرناز وكفرزيتا والشيخ حديد والمغير وحيالين والحماميات وحصرايا والأربعين والجبين والجلمة والشنابرة (البانة)، كلها أصبحت خارج سيطرة النظام عسكرياً. وجميعها تقع في الطرف الشمالي الغربي من الريف الحموي».
أما الريف الجنوبي الأقرب إلى حمص فيشهد بداية تعزيزات عسكرية من الطرفين استعداداً لفتح جبهة جديدة. وفيما يتمتع «الحر» بدعم اجتماعي في البلدات المجاورة، تتقاسمه مختلف الكتائب بما فيها «جبهة النصرة»، صاحبة الحظ الأوفر في الدعم الشعبي، تبرز في الواجهة أيضاً مدن كمصياف التي استمرت في ركب الثورة السلمية والتظاهرات، وبلدة السلمية التي يحتفي بها كثيراً ناشطو حماه، وهي التي فتحت أبوابها للنازحين من مختلف المناطق، إذ لم تتردد بلدة الكاتب والمسرحي الكبير محمد الماغوط في دعم الثورة بشــتى الوســائل، على حد تعبير الناشطين.
وفي الريف الحموي أيضا يقع المطار العسكري، الذي يعتبره المسلحون حجر الزاوية في معركتهم لكونه يضم نصف تعزيزات النظام في تلك المنطقة. ويمضي ناشطون في حماه أبعد من ذلك بقولهم إن الهجوم على العاصمة يبدأ من حماه حيث تسهل السيطرة على الريف، ومنها المدينة التي يطوقها النظام بتعزيزات عسكرية تسعى لاستعادة السيطرة على الريف، وخاصة تلك التي تقع على الطريق المؤدي إلى حلب وإدلب، وتمر عبرها الإمدادات العسكرية للشمال.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: ما جدوى فتح جبهة جديدة من قبل «الجيش الحر» في حماه إذا كان لم يحسن بعد السيطرة التامة على باقي المناطق؟ يجيب البعض إن قرار «التحرير» لم يؤخذ من فراغ، وتحسن قوة «الجيش الحر» كانت علامة مهمة دفعتهم لمثل هذه الخطوة. ثم يأتي السؤال عن مدى قوة المعارضة المسلحة في وقت ما زالــت السيطرة في السماء لصالح القوة الجوية للنــظام، وما زالت طائــراته تحلق فوق المناطق التي يطلق عليها المعارضون توصيف «محــررة»، فلا يأتي جواب واضح، بينما يصر آخرون على أن حماه ليست إدلب ولا حلب ولا حتى حمص.
ما سبق يبقى سؤالاً مفتوحاً في انتظار الأيام الآتية، فهل ستكون حماه بالفعل مختلفة الحسابات عن باقي المناطق؟
Assafir
السؤال عن بدء المعركة في حماه يبدو صالحاً لأي مدينة أخرى إلا هي، فـ«أرض النواعير» دفعت الثمن غالياًً لسنوات طويلة في الثمانينيات أيام الصراع بين النظام و«الإخوان المسلمين».
لكن الأنظار تعود اليوم لتتجه مجدداً إلى المنطقة التي ما زال جرح الثلاثين عاماً غائراً في قلوب أبنائها. ومع ذلك، رفعت شعار السلمية المطلقة وتظاهرت لفترة طويلة بأعداد حاشدة، في وقت أشعل مغنيها الثائر إبراهيم القاشوش ساحات المدينة التي تشهد تنوعا كامتداد لجاراتها حمص واللاذقية وطرطوس.
ولعل موقعها هذا هو سبب قرار «الجيش الحر» فتح جبهة جديدة في حماه تلتحق بمعركة الشمال، من جهة، وتفتح الطريق إلى حمص، من جهة ثانية، على حدّ قول قادة «الحر» في الإعلام. ولكن هل هم بالفعل مسيطرون على الشمال، لا سيّما أن الأجواء ما زالت في قبضة النظام؟ ولمن الغلبة بين المسلحين في المنطقة؟ هل هي للسلفيين أم لكتائب أكثر اعتدالاً؟ وما هو محل «جبهة النصرة» من الإعراب في حماه؟
ربما حان الوقت لتسليط الضوء على «أرض النواعير»، إذ لطالما ارتبط اسم حماه بالصراع مع «الإخوان»، رغم ذلك يقول أبناؤها إنهم لن يعودوا للعيش في جلباب «الإخوان»، طال الزمان أم قصر.
ويعرب الكثير من ناشطي حماه عن استيائهم مما قامت به الجماعة في المدينة. ويستحضر كثير منهم تجربة «الإخوان» في السبعينيات والثمانينيات ويكشف عن تكرار أساليبهم من جديد في «الثورة» السورية حالياً، بدءاً من شراء الولاءات والمال السياسي، وصولاً إلى دعم مجموعات محددة دون غيرها، في وقت يشتكي آخرون من تهميش أو تقليل لدور حماه وربطها بتصريحات الداعية السلفي عدنان العرعور، المتحدر من أرض العاصي، الذي تسبّب لها بحملة قاسية اعتبرتها خارج نطاق الحراك الشعبي، لتعود اليوم إلى الواجهة.
في المقابل، يبدو لافتاً بالنسبة للمحافظة الوحيدة في سوريا، التي لا حدود لها مع الخارج، بُعدها كل البعد عن التوتر الطائفي،على الرغم من تنوع المذاهب بين سنة وعلويين ومسيحيين وإسماعيليين، ما يجعل حساباتها مختلفة عن باقي المناطق.
لعل الطقس الماطر والعاصف كان السبب الوحيد الذي دفع معظم الحواجز العسكرية إلى الاكتفاء بإشارة من يدها لإكمال الطريق إلى حماه، التي تشهد إقبالا غير مسبوق على الأسواق لشراء وتموين الحاجيات الأساسية استعداداً للجبهة القريبة. وهي حركة يرافقها غلاء هستيري في بعض المواد وغياب مواد أخرى، أولها الطحين والمازوت، ما يعني نقصاً في الخبز وازدحاماً على الأفران، التي تعمل أقل مما تتوقف. أضف إلى ذلك فترات الانقطاع الطويلة في التيار الكهربائي، الذي يطال معظم الأحياء الحموية التي تتحول بعد غروب الشمس إلى سكون مطلق، تخرقه أصوات القصف والاشتباكات على تخوم الريف.
وفيما تخلو المدينة من أي انتشار للمعارضة المسلحة، تنتشر بكثافة القوى الأمنية والعسكرية التابعة للنظام والتي تقسم المدينة الصغيرة لمربعات أصغر. بعض الحواجز يكتفي بإلقاء نظرة على السيارات وبعضها الآخر يدقق ويبالغ في التدقيق، خاصة إن كان القادم من خارج حماه، وتحديداً من المناطق المشتعلة كدرعا وإدلب وحلب.
وفي المحصلة، هناك استياء عام من الحواجز في الريف المحيط بمدينة أبي الفداء، رغم تراجعها ربما بسبب هجمات «الجيش الحر» وربما، بحسب قول بعض الناشطين، بسبب إستراتيجية جديدة يتبعها الجيش النظامي وتقضي بسحب العناصر من الريف إلى المدن الكبرى خشية سقوطها. أما في قلب المدينة، فالمقار العسكرية والأمنية تشهد تحصيناً بالغ الشدة يرافقه إقفال لبعض الطرق.
هي إذاً الأيام التي تسبق الحرب، حيث يستعد «الجيش الحر» لدخول حماه و«تحريرها» بعد أن بدأ بعمليات عسكرية للسيطرة على الريف انطلاقاً من ريف إدلب الجنوبي. وهي حالة استدعت نزوح بعض الأهالي وتأمين ملاذ آمن نوعاً ما للأطفال والنساء.
يضاف إلى ذلك، أن تواجد كتائب «الجيش الحر» في المنطقة يعد ضعيفاً باعتبار أن معظمها قد توجه للقتال في حلب وإدلب. ويردف محمد، وهو ناشط إعلامي في المدينة، «أما في الريف، فالوضع أفضل إلى حد بعيد، وخاصة الريف المتصل بإدلب بداية من سهل الغاب وصولاً إلى بلدات طيبة الإمام ومحردة التي يسيطر عليها المقاتلون... فيما أعلن الجيش الحر أن مدن وقرى كفرنبودة وكرناز وكفرزيتا والشيخ حديد والمغير وحيالين والحماميات وحصرايا والأربعين والجبين والجلمة والشنابرة (البانة)، كلها أصبحت خارج سيطرة النظام عسكرياً. وجميعها تقع في الطرف الشمالي الغربي من الريف الحموي».
أما الريف الجنوبي الأقرب إلى حمص فيشهد بداية تعزيزات عسكرية من الطرفين استعداداً لفتح جبهة جديدة. وفيما يتمتع «الحر» بدعم اجتماعي في البلدات المجاورة، تتقاسمه مختلف الكتائب بما فيها «جبهة النصرة»، صاحبة الحظ الأوفر في الدعم الشعبي، تبرز في الواجهة أيضاً مدن كمصياف التي استمرت في ركب الثورة السلمية والتظاهرات، وبلدة السلمية التي يحتفي بها كثيراً ناشطو حماه، وهي التي فتحت أبوابها للنازحين من مختلف المناطق، إذ لم تتردد بلدة الكاتب والمسرحي الكبير محمد الماغوط في دعم الثورة بشــتى الوســائل، على حد تعبير الناشطين.
وفي الريف الحموي أيضا يقع المطار العسكري، الذي يعتبره المسلحون حجر الزاوية في معركتهم لكونه يضم نصف تعزيزات النظام في تلك المنطقة. ويمضي ناشطون في حماه أبعد من ذلك بقولهم إن الهجوم على العاصمة يبدأ من حماه حيث تسهل السيطرة على الريف، ومنها المدينة التي يطوقها النظام بتعزيزات عسكرية تسعى لاستعادة السيطرة على الريف، وخاصة تلك التي تقع على الطريق المؤدي إلى حلب وإدلب، وتمر عبرها الإمدادات العسكرية للشمال.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: ما جدوى فتح جبهة جديدة من قبل «الجيش الحر» في حماه إذا كان لم يحسن بعد السيطرة التامة على باقي المناطق؟ يجيب البعض إن قرار «التحرير» لم يؤخذ من فراغ، وتحسن قوة «الجيش الحر» كانت علامة مهمة دفعتهم لمثل هذه الخطوة. ثم يأتي السؤال عن مدى قوة المعارضة المسلحة في وقت ما زالــت السيطرة في السماء لصالح القوة الجوية للنــظام، وما زالت طائــراته تحلق فوق المناطق التي يطلق عليها المعارضون توصيف «محــررة»، فلا يأتي جواب واضح، بينما يصر آخرون على أن حماه ليست إدلب ولا حلب ولا حتى حمص.
ما سبق يبقى سؤالاً مفتوحاً في انتظار الأيام الآتية، فهل ستكون حماه بالفعل مختلفة الحسابات عن باقي المناطق؟
Assafir
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي
» جوهرة انتِ
الجمعة مارس 17, 2017 5:41 am من طرف عربي
» نخوة العرب
الأحد مايو 15, 2016 8:11 pm من طرف عربي
» اداب الحديث
الأحد مايو 15, 2016 8:10 pm من طرف عربي