وقفة للتأمل

الحياة التي نعيش هي نفسها تقريبا الحياة التي عاشها من قبلنا. انا لا اتحدث هنا عن الحياة بشقها المادي, انما الحياة بشقها الانساني.
فكثير من التجارب التي نخوضها في علاقاتنا الاجتماعية عاشها من قبلنا, وكثير من هذه المواقف تم اختزاله على شكل حكم وامثال ما زالت تحيا بيننا لليوم ونتداولها كلما طرأت الحاجة.
تمر علينا اوقات نجد انفسنا فيها من شدة الكرب ننطق جمل لنتفاجأ ان هذه الجمل ليست عادية انما هي حكمة, فليس من الغريب اذا اننا نصنع الحكمة فهي ليست حصراً على الفلاسفة والمفكرين والادباء. فمرة قلت في قرارة نفسي انه "كلما ازدادت ثقافة الانسان واطلاعه زاد بؤسه" لاتفاجأ بعد فترة من الزمن بقراءة هذه الجملة في كتاب تحت بند الحكم العالمية, مما يعني ان هناك من سبقني وشعر بهذا الشعور. ومما يعني ان الانسان العادي قد يقول ما يستحق الخلود حين يكون هذا القول ناتجاً عن تجربة او معاناة عاشها.
لربما ان الجانب المشرق في الموضوع ان الحزن ليس حصراً على احد منا, ولا الهم, ولا قهر الدين, فهناك الكثير ممن يعانون من هذه الامور وانه لرحمة من الله ان الانسان يجد كثيراً ممن يشاركونه همه وحزنه ومعاناته ومن دون ان يعرفهم حتى فيجد في ذلك وسيلة لمواساة نفسه وتعزيتها. والمثال الاوضح يأتي من القرءان حيث تسرد القصص والعبر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن حال الانبياء السابقين وما عانوه من اقوامهم وكيف صبروا فكان من حكمة هذه القصص انها تواسي نبي الرحمة والانسانية فيما يجده من صد وكفر وتعذيب له من بني قومه.
حتى في لغتنا العامية هناك مثل يؤكد على هذا الأمر نتداوله يوميا تقريبا الا وهو "من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته" ليس هناك من شيئ عبث انما كل شيء له ما قد وجد من أجله وصدق الله حين قال في محكم كتابه "افحسبتم انا خلقناكم عبثاً" حاشا لله ان يكون هذا. ويأتي الجواب في نفس الكتاب بقوله تعالى "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون" صدق الله العظيم وليميز الله الصابرين من غيرهم كان لا بد من العسر حينا يختبر فيه الانسان ويختبر مقدار الايمان في قلبه, حتى اذا ضاقت عليه الدنيا وحرم من خيرها ظهر معدنه الحقيقي. يقول الله تعالى " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات"