مدخل الى المرحلة الانتقالية
فشلت محاولات استصدار قرارات تدخل عسكري على الأرض في سوريا. و فشلت محاولة اسقاط دمشق و من بعدها حلب. حتى الحرب الاعلامية شبه الكونية مازالت سوريا تقاومها و تبطل مفعولها. حتى تفجير مكتب الأمن القومي السوري لم ينجح الى احداث شرخ في المؤسسة العسكرية التي أراد الأمريكيون شقها و تقسيم مرجعيتها مناصفةً مع الروس. بقيت المؤسسة العسكرية ثابتة و لم تتمكن الولايات المتحدة من اختراقها, على العكس تماماً انتفضت المؤسسة العسكرية السورية و امسكت بزمام الأمور كاملة و فرضت ايقاعها على المشهد السوري و اصبحت الأقرب لفرض الشكل العام للتسوية القادمة. لم يبق اذاً في جعبة محور اعداء سوريا الا البحث عن خطط استخباراتية بديلة قبل الوصول الى مشروع التسوية السياسية القادمة و التي قد تتضمن ايضاً انتقامات و هجمات ارهابية في اماكن متعددة.
على ماذا تدور التسوية
بدات ملامح التسوية السورية طويلة الأمد تدور في الافق. ايران استضافت مؤتمر تشاوري حول سوريا مستفيدة من الفراغ السياسي حول الأزمة السورية. فمعظم اللاعبين الاقليميين والدوليين كانوا يتابعون انحسار حلم سقوط حلب. وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي لخص شكل التسوية القادم بضرورة التمسك بخطة المبعوث الدولي المستقيل كوفي أنان. الوزير الايراني حذر ايضاً من استمرار «التدخل الخارجي» في سوريا لأنه -بلاشك- سيؤدي إلى انتشار التطرف في المنطقة الأمر الذي شاركه فيه رئيس الوزراء العراقي اليوم من بغداد. المبعوث الأممي الجديد لسوريا الأخضر الابراهيمي استقبل قرار تعيينه بتقديم خلاصة الحل: على المجتمع الدولي أن يتوحد في رؤيته للوضع في سوريا. الابراهيمي يدرك تماماً أن الأطراف الدولية المتنازعة هي من افشلت مهمة أنان, لهذا أختار ان كلماته الأولى هذه بعناية حتى لا يلق مصير سلفه أنان.
من تركيا ارسلت هيلاري كلينتون الرد الامريكي على طهران:'إن الهدف الاستراتيجي المشترك لواشنطن وأنقرة هو وضع حد لإراقة الدماء في سوريا وإنهاء حكم الأسد.' رسالة اميركية تحمل في طياتها جانباً ايجابياً و هو اقرار امريكا بعدم قدرتهاعلى فرض التغيير بالقوة عبر الاتفاق الضمني على ضرورة عدم سقوط سوريا في فخ الفوضى. لكن الرسالة الاميركية حملت ايضاً الرفض التام لبقاء الأسد في السلطة. اختزلت آمال المحور المعادي لسوريا و اقتصرت على خروج الأسد من السلطة, فعلياً هذا اخر ما تبقى لهذا المحور ليواسي نفسه به. في نفس السياق ارسلت الولايات المتحدة رسالة غير مباشرة تشير الى رغبتها بالوصول الى التسوية عندما لم توجه دعوة لإعضاء المجلس الوطني لحضور اجتماع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع ناشطين سوريين وأفراد من المعارضة, الأمر الذي انتقده اعضاء المجلس كثيراً و وجدوا فيه رغبة اميركية بالدخول منفردة الى التسوية و التخلي عنهم.
اذاً خروج بشار الأسد قد يصبح المطلب (التركي, الخليجي, الأمريكي)الوحيد للتسوية. المؤسسة العسكرية السورية تتدرك تماماً ان الوصول بالمعسكر المعادي لسوريا الى هذا الحد هو بمثابة اعلان انتصار, لهذا فلن يتم التخلي عن هذه الورقة بسهولة بل ستبقى على طاولة التسوية لفترة طويلة قادمة و يتم ربطها بصيرورة و تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا.
من يرسم الواقع السوري
القريبون من المشهد السياسي السوري يدركون تماماً أنه -تاريخياً- لا يمكن لأي مشروع سياسي في سوريا أن يمر دون موافقة مكونيين رئيسيين للنسيج الاجتماعي السوري: البرجوازية التقليدية في حلب و دمشق, بشقيها التجاري و الصناعي. كلمة الفصل في سوريا يضاف لها اليوم مكون المشروع الديمقراطي الشعبي الذي لم ينخرط في صراع الدم و الذي فضل ممارسة معارضته الوطنية دون الانخراط في عمليات التقتيل و الذبح. اذاً باختصار لن يجد المكون السوري الوطني الا خيار استئناف مشروع شكري القوتلي في سوريا من عدم المساس في تكوين العلاقة المميزة بين الاكثرية والاقليات, و قيام كل منهم بدوره كاملا في الحفاظ على النسيج الوطني بحس و مسؤولية عالية.
محطات المرحلة الانتقالية
المرحلة الانتقالية في سوريا قد تمر بالمراحل التالية:
- وقف العنف في سوريا, و هذا يتطلب اغلاق تركيا لحدودها في وجه المسلحين و توقف السعودية و قطر عن تمويل الجماعات المسلحة, و رفع الولايات المتحدة الغطاء السياسي عن المسلحين و اغلاق مكتب السي اي ايه في (اضنه) تركيا, المسؤول عن تنسيق العمليات الارهابية في سوريا.
- البدء في مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية و اختيار شخوصها. من الملفت للنظر ملاحظة الرغبة الايرانية باستباق هذه الخطوة في اجتماع طهران, حيث وجهت ايران الدعوة الى اعضاء المعارضة السورية لزيارة طهران و الدخول بشكل مباشر في المفاوضات.
- البدء بتشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور سوريا الجديد, و تحديد اعضاء لجنة كتابة الدستور.
- اجراء انتخابات مجلس الشعب, و التمهيد للوصول للانتخابات الرئاسية التي ستتركز حينها على منع ترشيح الاسد للانتخابات الرئاسية القادمة, -و كما ذكرنا في مقابل سابق- قد يكون حينها العنوان الأبرز 'خرج و لم يوقع.'
الأردن امام ملف التسوية
الأردن يجب أن يراقب ملف التسوية السورية بحذر شديد, ذاك ان التسوية في سوريا هي المرحلة الأخيرة التي تسبق التسوية الاقليمية التي قد تشمل الأردن أيضاً. يستغرب كثير من المحللين الانحياز الأردني المتأخر و غير المجدي الى المعسكر المعادي لسوريا. عمان قد تربح بعض المال الا انها تخسر كثيراً اليوم, و لن تقتصر الخسارة على البعد الاخلاقي و الاقتصادي بل قد تتعداه الى امور ابعد. فاتساع رقعة الصراع في المنطقة قد يكون امراً حتمياً قبل الوصول الى مرحلة التسوية النهائية.
يرى كثير من المحللين ان الموقف الرسمي الاردني -للاسف- انزلق في تحالفات تتعارض مع المصالح الوطنية الاردنية. و الخطر الأكبر قد يتمثل بتعارض موقف المؤسسات الوطنية الاردنية مستقبلاً مع الموقف الرسمي. بداية الانزلاق الرسمي كانت مع التحولات في الداخل الاردني التي تبعت الفيتو الروسي الأول. الأردن لا يملك الا ورقة العودة الى المربع الأول و عدم المضي قدما في مشاريع قد تعرض الأردن الى خطر وجودي لا قدر الله . تجنيب الأردن اي خطر قادم يستدعي البقاء في المنطقة الرمادية التي قد لا تصنع اصدقاء لكن بلا شك تمنع نشوء الأعداء.
د.عامر السبايلة
Ammanpost
فشلت محاولات استصدار قرارات تدخل عسكري على الأرض في سوريا. و فشلت محاولة اسقاط دمشق و من بعدها حلب. حتى الحرب الاعلامية شبه الكونية مازالت سوريا تقاومها و تبطل مفعولها. حتى تفجير مكتب الأمن القومي السوري لم ينجح الى احداث شرخ في المؤسسة العسكرية التي أراد الأمريكيون شقها و تقسيم مرجعيتها مناصفةً مع الروس. بقيت المؤسسة العسكرية ثابتة و لم تتمكن الولايات المتحدة من اختراقها, على العكس تماماً انتفضت المؤسسة العسكرية السورية و امسكت بزمام الأمور كاملة و فرضت ايقاعها على المشهد السوري و اصبحت الأقرب لفرض الشكل العام للتسوية القادمة. لم يبق اذاً في جعبة محور اعداء سوريا الا البحث عن خطط استخباراتية بديلة قبل الوصول الى مشروع التسوية السياسية القادمة و التي قد تتضمن ايضاً انتقامات و هجمات ارهابية في اماكن متعددة.
على ماذا تدور التسوية
بدات ملامح التسوية السورية طويلة الأمد تدور في الافق. ايران استضافت مؤتمر تشاوري حول سوريا مستفيدة من الفراغ السياسي حول الأزمة السورية. فمعظم اللاعبين الاقليميين والدوليين كانوا يتابعون انحسار حلم سقوط حلب. وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي لخص شكل التسوية القادم بضرورة التمسك بخطة المبعوث الدولي المستقيل كوفي أنان. الوزير الايراني حذر ايضاً من استمرار «التدخل الخارجي» في سوريا لأنه -بلاشك- سيؤدي إلى انتشار التطرف في المنطقة الأمر الذي شاركه فيه رئيس الوزراء العراقي اليوم من بغداد. المبعوث الأممي الجديد لسوريا الأخضر الابراهيمي استقبل قرار تعيينه بتقديم خلاصة الحل: على المجتمع الدولي أن يتوحد في رؤيته للوضع في سوريا. الابراهيمي يدرك تماماً أن الأطراف الدولية المتنازعة هي من افشلت مهمة أنان, لهذا أختار ان كلماته الأولى هذه بعناية حتى لا يلق مصير سلفه أنان.
من تركيا ارسلت هيلاري كلينتون الرد الامريكي على طهران:'إن الهدف الاستراتيجي المشترك لواشنطن وأنقرة هو وضع حد لإراقة الدماء في سوريا وإنهاء حكم الأسد.' رسالة اميركية تحمل في طياتها جانباً ايجابياً و هو اقرار امريكا بعدم قدرتهاعلى فرض التغيير بالقوة عبر الاتفاق الضمني على ضرورة عدم سقوط سوريا في فخ الفوضى. لكن الرسالة الاميركية حملت ايضاً الرفض التام لبقاء الأسد في السلطة. اختزلت آمال المحور المعادي لسوريا و اقتصرت على خروج الأسد من السلطة, فعلياً هذا اخر ما تبقى لهذا المحور ليواسي نفسه به. في نفس السياق ارسلت الولايات المتحدة رسالة غير مباشرة تشير الى رغبتها بالوصول الى التسوية عندما لم توجه دعوة لإعضاء المجلس الوطني لحضور اجتماع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع ناشطين سوريين وأفراد من المعارضة, الأمر الذي انتقده اعضاء المجلس كثيراً و وجدوا فيه رغبة اميركية بالدخول منفردة الى التسوية و التخلي عنهم.
اذاً خروج بشار الأسد قد يصبح المطلب (التركي, الخليجي, الأمريكي)الوحيد للتسوية. المؤسسة العسكرية السورية تتدرك تماماً ان الوصول بالمعسكر المعادي لسوريا الى هذا الحد هو بمثابة اعلان انتصار, لهذا فلن يتم التخلي عن هذه الورقة بسهولة بل ستبقى على طاولة التسوية لفترة طويلة قادمة و يتم ربطها بصيرورة و تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا.
من يرسم الواقع السوري
القريبون من المشهد السياسي السوري يدركون تماماً أنه -تاريخياً- لا يمكن لأي مشروع سياسي في سوريا أن يمر دون موافقة مكونيين رئيسيين للنسيج الاجتماعي السوري: البرجوازية التقليدية في حلب و دمشق, بشقيها التجاري و الصناعي. كلمة الفصل في سوريا يضاف لها اليوم مكون المشروع الديمقراطي الشعبي الذي لم ينخرط في صراع الدم و الذي فضل ممارسة معارضته الوطنية دون الانخراط في عمليات التقتيل و الذبح. اذاً باختصار لن يجد المكون السوري الوطني الا خيار استئناف مشروع شكري القوتلي في سوريا من عدم المساس في تكوين العلاقة المميزة بين الاكثرية والاقليات, و قيام كل منهم بدوره كاملا في الحفاظ على النسيج الوطني بحس و مسؤولية عالية.
محطات المرحلة الانتقالية
المرحلة الانتقالية في سوريا قد تمر بالمراحل التالية:
- وقف العنف في سوريا, و هذا يتطلب اغلاق تركيا لحدودها في وجه المسلحين و توقف السعودية و قطر عن تمويل الجماعات المسلحة, و رفع الولايات المتحدة الغطاء السياسي عن المسلحين و اغلاق مكتب السي اي ايه في (اضنه) تركيا, المسؤول عن تنسيق العمليات الارهابية في سوريا.
- البدء في مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية و اختيار شخوصها. من الملفت للنظر ملاحظة الرغبة الايرانية باستباق هذه الخطوة في اجتماع طهران, حيث وجهت ايران الدعوة الى اعضاء المعارضة السورية لزيارة طهران و الدخول بشكل مباشر في المفاوضات.
- البدء بتشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور سوريا الجديد, و تحديد اعضاء لجنة كتابة الدستور.
- اجراء انتخابات مجلس الشعب, و التمهيد للوصول للانتخابات الرئاسية التي ستتركز حينها على منع ترشيح الاسد للانتخابات الرئاسية القادمة, -و كما ذكرنا في مقابل سابق- قد يكون حينها العنوان الأبرز 'خرج و لم يوقع.'
الأردن امام ملف التسوية
الأردن يجب أن يراقب ملف التسوية السورية بحذر شديد, ذاك ان التسوية في سوريا هي المرحلة الأخيرة التي تسبق التسوية الاقليمية التي قد تشمل الأردن أيضاً. يستغرب كثير من المحللين الانحياز الأردني المتأخر و غير المجدي الى المعسكر المعادي لسوريا. عمان قد تربح بعض المال الا انها تخسر كثيراً اليوم, و لن تقتصر الخسارة على البعد الاخلاقي و الاقتصادي بل قد تتعداه الى امور ابعد. فاتساع رقعة الصراع في المنطقة قد يكون امراً حتمياً قبل الوصول الى مرحلة التسوية النهائية.
يرى كثير من المحللين ان الموقف الرسمي الاردني -للاسف- انزلق في تحالفات تتعارض مع المصالح الوطنية الاردنية. و الخطر الأكبر قد يتمثل بتعارض موقف المؤسسات الوطنية الاردنية مستقبلاً مع الموقف الرسمي. بداية الانزلاق الرسمي كانت مع التحولات في الداخل الاردني التي تبعت الفيتو الروسي الأول. الأردن لا يملك الا ورقة العودة الى المربع الأول و عدم المضي قدما في مشاريع قد تعرض الأردن الى خطر وجودي لا قدر الله . تجنيب الأردن اي خطر قادم يستدعي البقاء في المنطقة الرمادية التي قد لا تصنع اصدقاء لكن بلا شك تمنع نشوء الأعداء.
د.عامر السبايلة
Ammanpost
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:24 pm من طرف الادارة
» رابط المدونة على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:20 pm من طرف الادارة
» مدونة عربي على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:19 pm من طرف الادارة
» تأملات
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي