شجرة الكينيا وشجرة السرو

منذ قرابة ثمانِ سنين زرعت في حديقة المنزل بعض اشجار السرو, اتعبتني كثيراً هذه الأشجار حتى نمت, اتعبتني وقد ظننت لفترة انها لن تنمو وستبقى تبارح الأرض, الا انه بعد مرور السنة تلو الأخرى اخذت تنمو شيئاً فشيئاً, الجميل في الأمر رغم تعقيداته انها كانت تنمو بثبات تنمو على شكل خط مستقيم للسماء, جذورها راسخة ومنظرها مهيب, حين اقف الى جوارها هذه الايام وبعد مرور ثمان سنين اشعر وكأني اقف بقرب كتاب تاريخ مليء بالاحداث والمواقف فكم مرة كنت اقف هنا اسقي هذه الأشجار وكم مرة شربت الشاي وكم مرة جلست هنا اتأمل وكم مرة تصببت عرقاً وانا اعمل وكم مرة جلست انا وضيوفي نتناول اطراف الحديث بقربها وكم ..وكم... منذ قرابة العام اقترح عليه احدهم ان اشتري شجرة اسمها شجرة الكينيا, ويوما كنت في السوق ورأيتها فقلت في نفسي سأشتري هذه الشجرة وبالفعل اشتريتها وزرعتها وقد تفاجأت من سرعة نموها, ففي قرابة السنة نمت وتكاثفت الى ضعف حجم شجرة السرو العريقة. في الحقيقة للوهلة الأولى ابهرتني هذه الشجرة فأخذت اهتم بها واهملت اشجار السرو, الا ان اهتمامي هذا لم يدم كثيراً اذ تبين لي ان الأشجار تماماً مثل الدول فهذه الشجرة التي نمت وتضخمت واخذت حيزا واسعا في الحديقة غطا على اشجار السرو ما لبثت ان انكسرت مع اول اعصار, فلم تتحمل قسوة الشتاء وخصوصاً حين اشتد الشتاء واشتدت رياحه, تماماً كدول صغيرة نمت مذ وقت قصير وحازت اهتماماً وابهرت الكثير, قلت في نفسي مذكرا اياها بحديث افضت به احدى بنات هذه الأمم سريعة النمو في لحظة غفلة "اني اغار منكم فان لكم تاريخاً اطول منا بكثير" تماماً نحن كمثل شجرة السرو وهم كمثل شجرة الكينيا, لن اسهب في شرح الأمر فقد فعلت مسبقاً للتو. امريكا لن تبهر الا من يرى الخارج وينسى الداخل من يرى الديكور وينسى القيم, امريكا واستراليا دول قامت على دماء سكان هذه البلاد الاصليين الهنود الحمر صنع من جلودهم حقائب في امريكا الحرية والديموقراطية ورؤوسهم كانت كرة يتدحرجها الجنود.