أغنى رجالنا مات دونما أضواء
[12/4/2012 2:18:28 AM]
د.مهند مبيضين
لم يدّعِ بطولة، لكنه سار مع الأردنيين الطيبين في كل صباح ومساء يطارد أبناء البدو ليعلمهم في بواديهم، ولم يكن يطمح أن تهديه وزارة التنمية بيتا، لأنه حين بني البيت اتصل بي قائلا: يا دكتور أنا شغلتي أطارد وراء «العقب» لأعلمهم..». كان رجلا دمثا محبا وصاحب خلق، لكنه وري الثرى دونما ضوء يسلط على وفاته، مع أنه قد يكون من أكثر الأردنيين إبداعا في زماننا.
ولأنه عبد من عباد الله الصالحين، لم يشته الإعلام أكثر مما كتب عنه، وقد أجرت قناة الجزيرة الانجليزية تحقيقا عنه أعدته الزميلة نسرين الشمايلة، في مقر تعليمه للأطفال في الجفر وفي منطقة باير.
هو محمد عيد الدمانية الحويطات، الذي توفي قبل نحو شهر ونصف عن عمر يناهز 66 سنة، ولم اعرف إلا متأخرا بطريق الصدفة، حيث أنه تعرض لحادث، أودى بحياته، بعدما كان قد وهب كل ما بوسعه وما لديه من اجل تعليم أبناء البدو، في كتّابه الجميل المكون من خيمة لم يكن بها من الأثاث إلا سجادة وبضع مخدات/ وسائد يستخدمها الطلبة في الجلوس ويتكئون عليها.
محمد عيد الدّمانية أردني عروبي، كرس حياته بنبل وخلق لتحقيق حلمه بأن يعلم كل طفل بالبادية، كي لا يفوته قطار العلم، وكان له نصيب وسجل وافر من العطاء، وسيظل أثره حاضرا عند من كان له فضل عليهم، وهو الساعي للتعليم بكل حب وشغف وحرص، وإن تعرف إليه المرء فإنه سيجده مهندسا في فن التواصل، ومتابع جيد لإذاعة bbc، ويتابع ويتصل ويخبر ويقيم كل من يتحدث عن الأردن ويغضب إذا كان الخبر أو الرأي متحامل على الأردن برأيه.
ليس له مجد من بناء أو منصب أو أثاث قصر، أو شركة، بل شركته المساهمة العامة كانت في خيمته التي ستفتقده بلا شك، وأولئك الصبية الذين كانوا ينتظرون ويفضلون كتابه على المدرسة، والسبب كما يقول أحد في شريط الفيديو الذي زودني به قبل ثلاثة أعوام: «لأنهم يتعلمون منه بشكل أفضل».
أبو عيد كان نموذجا أردنيا طيبا في العطاء، ليس بوسع احد أن يدعي صلة به أو سبب في الكتابة عنه غير الزميل د باسم الطويسي الذي عرفني به، وهو الوحيد الذي كتب عنه عند الممات، وباسم مثال في الطيبة والخلق والوفاء، وليس هذا بغريب عليه.
محمد عيد الدمانية الحويطات ترك ثروة من أعلى الأسهم قيمة في تاريخ الشركات الأردنية، وهو سهم العِلم الذي لن ينقطع والذي سيتواصل في طلابه، من أبناء الجفر والصحراء الجنوبية والوسطى، وعددهم ممن حفظتها سجلاته نحو 600 طالب درسهم وعلمهم بدون أجر أو ابتغاء شكر.
كان أبو عيد متواضع الطموح، فقط فرح قبل وفاته بأشهر بتركيب طقم أسنان تبرع به زملاء في مستشفى الجامعة الأردنية لا نذكر اسمهم ليستمر الفضل فيهم، وحين ركب الطقم فرح واتصل يشكر ويفخر بالأطباء وبأنهم قدروه واحترموه وهو دأبهم دوما في مستشفى الجامعة، وهو لم يدّع معرفة بأي مسؤول، ولم يكن يرغب بمعرفة الأكابر، فقط كان إذا ما جاء لعمان يستعجل المغادرة منها، قائلا: ورأي جهال يا دكتور بدهم تعليم...» وهو أب بكل ما في الأبوة من عطاء وصدق، برغم انه لم يتزوج.
لم يحظ أبو عيد بالاهتمام الكافي في حياته، لكن يليق به أن تسمى مدرسة باسمه، هو لم يعرف أي رئيس حكومة، ولم يدّع ذلك، ولكنه كان يعرف أن الأردن وطن بني على قوة الحرف والمعرفة. فرحمه الله وغفر له، إنه سميع مجيب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الدستور
[12/4/2012 2:18:28 AM]
د.مهند مبيضين
لم يدّعِ بطولة، لكنه سار مع الأردنيين الطيبين في كل صباح ومساء يطارد أبناء البدو ليعلمهم في بواديهم، ولم يكن يطمح أن تهديه وزارة التنمية بيتا، لأنه حين بني البيت اتصل بي قائلا: يا دكتور أنا شغلتي أطارد وراء «العقب» لأعلمهم..». كان رجلا دمثا محبا وصاحب خلق، لكنه وري الثرى دونما ضوء يسلط على وفاته، مع أنه قد يكون من أكثر الأردنيين إبداعا في زماننا.
ولأنه عبد من عباد الله الصالحين، لم يشته الإعلام أكثر مما كتب عنه، وقد أجرت قناة الجزيرة الانجليزية تحقيقا عنه أعدته الزميلة نسرين الشمايلة، في مقر تعليمه للأطفال في الجفر وفي منطقة باير.
هو محمد عيد الدمانية الحويطات، الذي توفي قبل نحو شهر ونصف عن عمر يناهز 66 سنة، ولم اعرف إلا متأخرا بطريق الصدفة، حيث أنه تعرض لحادث، أودى بحياته، بعدما كان قد وهب كل ما بوسعه وما لديه من اجل تعليم أبناء البدو، في كتّابه الجميل المكون من خيمة لم يكن بها من الأثاث إلا سجادة وبضع مخدات/ وسائد يستخدمها الطلبة في الجلوس ويتكئون عليها.
محمد عيد الدّمانية أردني عروبي، كرس حياته بنبل وخلق لتحقيق حلمه بأن يعلم كل طفل بالبادية، كي لا يفوته قطار العلم، وكان له نصيب وسجل وافر من العطاء، وسيظل أثره حاضرا عند من كان له فضل عليهم، وهو الساعي للتعليم بكل حب وشغف وحرص، وإن تعرف إليه المرء فإنه سيجده مهندسا في فن التواصل، ومتابع جيد لإذاعة bbc، ويتابع ويتصل ويخبر ويقيم كل من يتحدث عن الأردن ويغضب إذا كان الخبر أو الرأي متحامل على الأردن برأيه.
ليس له مجد من بناء أو منصب أو أثاث قصر، أو شركة، بل شركته المساهمة العامة كانت في خيمته التي ستفتقده بلا شك، وأولئك الصبية الذين كانوا ينتظرون ويفضلون كتابه على المدرسة، والسبب كما يقول أحد في شريط الفيديو الذي زودني به قبل ثلاثة أعوام: «لأنهم يتعلمون منه بشكل أفضل».
أبو عيد كان نموذجا أردنيا طيبا في العطاء، ليس بوسع احد أن يدعي صلة به أو سبب في الكتابة عنه غير الزميل د باسم الطويسي الذي عرفني به، وهو الوحيد الذي كتب عنه عند الممات، وباسم مثال في الطيبة والخلق والوفاء، وليس هذا بغريب عليه.
محمد عيد الدمانية الحويطات ترك ثروة من أعلى الأسهم قيمة في تاريخ الشركات الأردنية، وهو سهم العِلم الذي لن ينقطع والذي سيتواصل في طلابه، من أبناء الجفر والصحراء الجنوبية والوسطى، وعددهم ممن حفظتها سجلاته نحو 600 طالب درسهم وعلمهم بدون أجر أو ابتغاء شكر.
كان أبو عيد متواضع الطموح، فقط فرح قبل وفاته بأشهر بتركيب طقم أسنان تبرع به زملاء في مستشفى الجامعة الأردنية لا نذكر اسمهم ليستمر الفضل فيهم، وحين ركب الطقم فرح واتصل يشكر ويفخر بالأطباء وبأنهم قدروه واحترموه وهو دأبهم دوما في مستشفى الجامعة، وهو لم يدّع معرفة بأي مسؤول، ولم يكن يرغب بمعرفة الأكابر، فقط كان إذا ما جاء لعمان يستعجل المغادرة منها، قائلا: ورأي جهال يا دكتور بدهم تعليم...» وهو أب بكل ما في الأبوة من عطاء وصدق، برغم انه لم يتزوج.
لم يحظ أبو عيد بالاهتمام الكافي في حياته، لكن يليق به أن تسمى مدرسة باسمه، هو لم يعرف أي رئيس حكومة، ولم يدّع ذلك، ولكنه كان يعرف أن الأردن وطن بني على قوة الحرف والمعرفة. فرحمه الله وغفر له، إنه سميع مجيب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الدستور
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:24 pm من طرف الادارة
» رابط المدونة على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:20 pm من طرف الادارة
» مدونة عربي على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:19 pm من طرف الادارة
» تأملات
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي