الارادة والصمود

كثيرة هي القصص التي شهدتها وسمعت عنها او قرأت فيما يتعلق بالارادة. فقد اخبرنا يوما في قاعة الدرس احد المدرسين ايام الجامعة انه بعد ان تقاعد من الجيش وكان في نهاية الثلاثين من عمره, قرر ان يصنع نفسه من جديد ويحقق طموحه ويتحدى الواقع فاشترى كتب الثانوية العامة وانكب على الدراسة وبالفعل مانت النتيجة المتوقعة ان اجتازها بنجاح ولم يقف الأمر عند هذا الحد فكما يبدو انه اكتشف ذاته حقاً وان بداخله نبع لا ينضب من النهم للعلم, فسجل بالجامعة ودرس الأدب الانجليزي وتخرج بامتياز فحصل على بعثة للماجستير تلتها بعثة للدكتوراة وانتهى به الأمر ان اصبح برتبة دكتور في اللغة الانجليزية, ليس هذا فحسب بل انه درس في امريكا في جامعات امريكا, أي انه قام بتدريس الامريكان لغتهم الأم. قصة تستحق التأمل. فهذا الانسان الذي كانت ينتظر منه الجميع ان يجلس بالبيت ينتظر اخر الشهر كما ينتظر الصائم رمضان ليقبض راتبه ويمضي باقي عمره في المقاهي او في لعب الطاولة, اعطانا درساً في الطموح وصلابة الارادة, أخبرنا يوماً انه لا يوجد شيء مستحيل ما دمنا لم نركب الباص الاصفر, فسألناه ما الذي يقصده بالباص الأصفر فأجاب الباص الذي يركبه المعاقين عقلياً واردف قائلاً: بامكانكم الأن ان تصبحوا علماء ذرة, بكل بساطة اخرجوا من قاعة الدرس هذه وتوجهوا لأحدى الجامعات التي تدرس علم الذرة, وادرسوا واقرأوا وادخلوا المختبرات وخوضوا التجارب سينتهي بكم الأمر علماء ذرة. وقال : "لا يوجد يا ابنائي مستحيل لطالما انه منطقي" وأخبرنا قصة قال فيها ان عجوزا تقطن في قريته, ولديها قطعة ارض كبيرة بور في سفح جبل, كانت هذه الععجوز تقوم كل يوم بتنظيف هذه الارض من الحجارة وترتيبها حتى تمكنت في النهاية من جعلها صالحة للزراعة ليس ذلك فحسب بل ان منظرها اصبح خلاباً بحيث ان من يزور الأرض يعتقد انه كان هناك معدات ثقيلة قامت بتشكيل هذه الأرض على ماهي عليه وان اشخاص كثر قاموا بهذا العمل الدؤوب, لكن الحقيقة انها امرأة, امرأة ذات ارادة, علمت بقرارة نفسها ان الله وهبها عقلاً وعليها ان تجيد استخدامه بأن لا تستسلم لليأس وان تستثمر الوقت. تحية اليك يا معلمي تحية اليك دكتور "محمد الغزو" فحين اشعر ان ارادة اصابها الوهن اتذكر حديثك لنا وعبرك ومواعظك فأشعر بأني قادر ان اصنع الكثير والكثير. في الأمس هاتفني خليل وقال اود ان اراك في موضوع مهم جداً واليوم حين جلسنا سوية نحتسي القهوة أخبرني انه يريد ان يتعلم ويدرس ويحصل على شهادة الثانوية, طموحه ان يحصل على شهادة الثانوية وصدقوني الأمر ليس سهلا بالنسبة له لكنه مؤمن بقدرته على فعل هذا, بالنسبة للناس العاديين شهادة الثانوية لا شيء يذكر هذه الأيام لكن بالنسبة لخليل هي كمثل شهادة الدكتوراة بالنسبة للدكتور الذي حدثتكم عنه, حسين ترك الدراسة بعد ان انهى الصف الخامس, أي انه يحتاج الى الدراسة سبعة سنين حتى يصل للثانوية حسب قانون وزارة التربية والتعليم, اذاً هو تحدي كبير ولكن ليس اكبر من طموحه فقد قال لي "انا اذا عزمت على شيء فاني املك الصبر والارادة على العمل حتى انهيه بنجاح" وكذلك يخيل الي العراق حين اتأمله اراه يخبرني ويقول لي "يا عربي!! انا وطن صاحب تاريخ, انا وطن صاحب حضارة ضاربة العمق في جذور وتاريخ الحضارات, اتحسبني يا عربي ساكتفي بكبوتي هذه امام المحتل؟ ابداً لن افعل بل ستراني انتفض من جديد وارتفع من جديد وأحلق وأحلق فيغدو الاحتلال حين انظر اليه بحجم الحشرات"
صدقت يا عراق فأنت الوطن الكبير بأهلك وتاريخك وعروبتك ونضالك , فأنت من سجل اعلى نسبة تعليم في المنطقة في فترة قياسية وقضيت على الأمية بشكل كامل تقريباً حتى شاعت المقولة المشهورة التي تقول "مصر تكتب, لبنان تطبع, والعراق يقرأ" والعراق اليوم ما زال يقرأ وهو يقرأ ما في قلبي ويبتسم لأنه وجدني كما عهدني عاشقأ مخلصاً وفياً لهذه الأمة بكامل ترابها, يقرأ ويرى الأمل في أعين ابنائه وبناته الرافضين للاحتلال العاملين لانهائه, والرافضين ان يكونوا في خانة العملاء.
أيها العراق اقرأ فأنا مداد حبري لا ينضب بسهولة, لا تنهيه حرب السماسرة, لا ينهيه الا رجوع الروح الى باريها.

عدل سابقا من قبل عربي في السبت أبريل 11, 2015 6:49 pm عدل 2 مرات