د. محمد عبد الكريم الشويكي - الخوف عاطفة مؤلمة ومزعجة استجابة لخطر او تهديد ما، وأساس ديمومته وجود تهديد للكيان النفسي . وهو جزء من الوجدان والمزاج الطبيعي (كالحزن والغضب و الاستمتاع ) ويختلف الخوف عن القلق بأن الأخير يحدث بدون مثيرات خارجية ويصاحبه الخوف من تهديد غير محتمل ولا يمكن تجنبه بينما في حالة الخوف يستطيع الإنسان أن يهرب منه او يتجنبه .
أن ( الخوف الصحي) أمر طبيعي يجعل الإنسان مدركا او مميزا ليستجيب ويتهيأ للأوضاع الخطيرة او المهددة لحياته فالخوف الصحي : هو الخوف الطبيعي الذي يقوم بحماية الإنسان من المخاطر والهلاك ويقوده إلى السعي والبحث والتقصي وتطوير الذات وحفظ الوجود ويمكن ان يتحول هذا الخوف الصحي إلى خوف مرضي (القلق ) في أوقات معينة وظروف ضاغطة مؤديا إلى التضخيم والتجنب او التهور واضطراب السلوك . وللخوف أطياف ودرجات متنوعة فهو يمتد من اخذ الحيطة والحذر الخفيف إلى ( الرهاب ) وأقصاها الشعور( بالعظمة ) وكذلك يرتبط الخوف بأمور شخصية كنمط التفكير والحالة المزاجية العامة ( من فزع أو كآبة ، او قلق ، او رهاب ) والتي تحدد إن كان الخوف صحيا او مرضيا . فالخوف يؤثر على العقل الباطن فتظهر الكوابيس والأحلام المزعجة في الحالات الفردية ، إما الخوف الجماعي فتظهر الحالة الهستريائية الجماعية ( mass hysteria ) والذي يظهر أثناء ( الحروب ، الكوارث ،والأوبئة ) ولا شك ان ردود الفعل للمعاناة من عدم الثقة بالنفس او الآخرين أثناء الخوف الطبيعي يعتبر نوعا من الاحتياط واخذ الحيطة عادة تجاه شخص غير مألوف او يبدو انه يشكل خطورة .
وحينما يشتد الخوف تهوي ( الثقة) كإشارة تحذيرية وإنذار من شخص مبهم ذو علامات استفهام؟؟ ا و غريب الأطوار، ويعتبر هذا التزعزع بالثقة نوع من الدفاع النفسي للتكيف ولكنه يحمل في نفس الوقت إشارة هامة قد تقود الفرد إلى المزيد من الخوف والخطورة بشكل مرضي ( اعتلال ) .
وحينما يكون الخوف (مرهبا ) للشخص في الحالات المزمنة والشديدة ، يطغى الشعور بالتهديد والخطورة الشديدة وتؤدي إلى درجة التفكير (المرضي) ، واختلال الترجيح العقلاني والسلوكي من العزلة الاجتماعية والنظر إلى الآخرين إنهم يتربصون به ( البارونيا ) وانه في حالة خطر شديد ومستهدف فدرجة الخوف الشديدة هي التي أدت به لهذا السلوك والحالة المرضية غير التكيفية أنها (داء العظمة) ....جنون الخوف .
ومن الملفت والمدهش ان تتغير أكثر المخاوف العالمية انتشارا في السابق إلى أنواع جديدة ذات صلة بالحاضر ، فبعد عام 2005 تغيرت لتصبح أكثر المخاوف انتشارا : الهجمات الإرهابية ، والحروب النووية ، الحروب التقليدية ، الجرائم ، العنف ، الموت ، الفشل ، الخوف من الوحدة والمواجهة ، الخوف من المستقبل ،والخوف من الفقر . على النقيض من المخاوف الكلاسيكية السابقة ( الحيوانات ، الارتفاعات ، المواجهة ، ...... الخ ) أما الأسباب الواهية والعلمية المكتشفة وراء الخوف فتظهر جليا من نتائج البحث العلمي المتعلق بعلم البيولوجية العصبية ، فمفتاح الدماغ لديناميكية الخوف مسؤولية ( الأميجدولا ) Amydala) ) ذلك الجزء الصغير جدا من الدماغ الذي ينظم العواطف السلبية ( الخوف والغضب ) فقد وجد بالتصوير المغناطيسي ان هذا الجزء الدماغي يتضخم حينما يتعرض الأشخاص إلى أوضاع مخيفة ومزعجة متكررة وهي تتضخم أيضا لدى الأشخاص المصابين بمرض (الرهاب الاجتماعي) وان هذه الاستجابة في هذه المنطقة ينم توازنها وتلطيفها من قبل أجزاء أخرى من الدماغ خاصة الناصية ( prefrontal cortex ) ووجد إن الإصابة الجرثومية لهذه المنطقة لدى الفئران يؤدي إلى تلاشى خوفها من القطط لتصبح فريسة سهلة المنال.
اما الخوف من الموت والموت من الخوف : فقد أقر علماء النفس ان الخوف من الموت يعزز الدافعية تجاه الالتزام الديني والذي يخفف وطأته بشكل عال بيقين (عالم البرزخ) بعد الوفاة ، وأثبتت الدراسات ان الأشخاص الملتزمون دينيا اقل خوفا من الموت من أولئك الذين صلتهم بالدين قليلة وهم أكثر أيضا بالتمتع بصحة نفسية واجتماعية أفضل .
إن العالم يتغير بسرعة ، ونمط حياتهم يتغير تبعا لذلك ، فكثيرا من الناس خاصة المتدينون و المتمسكون بالأعراف والتقاليد يتولد لديهم الخوف على أبناءهم وأحفادهم والشباب من البعد عن الدين والتنصل من الأعراف والتقاليد فيخافون عليهم أن يهجروا الصلوات والمعابد والمساجد ، ويفقدوا السيطرة على حياتهم المستقبلية وتصبح هويتهم مهددة . وكذلك الحال لكثير من الصراعات العرقية فان تاريخ (الخوف الجماعي) من الانقراض يؤدي إلى (الخوف الفردي) أيضا من الزوال او الانقراض هذا ما يحصل لدى الكثير من الصراعات العرقية في العالم بسبب التاريخ الحافل بالاضطهاد والقمع والاهانة والضحية والشعور بالدونية والتمييز العنصري . فكل مجموعة تقع في الخوف من الأخرى كما يحدث بين العرب واليهود ، والبروتستانت والكاثوليك في شمال ايرلندا على سبيل المثال لا للحصر ، ان في ذلك تصوير يمثل أهمية الدور الذي يلعبه التاريخ المؤلم في تجسيد الخوف لدى الشعوب. فذكريات الماضي العنيف والظلم يؤدي إلى النظرة الاستباقية التخوفية للمستقبل أنه (مهينا او عنيفا )، وهذا الخوف يصعد من الصراع بين الطرفين والمزيد من الدخول في الحلقة المفرغة ، ومن هنا فان حل النزاعات جذريا بعمليات السلام لا تنجح إلا إذا أشبعت رغبات الإطراف الأساسية المتنازعة ،والمخاوف المتجذرة لديهم ،والهواجس المستقبلية . وان إرضاء او تهدئة مخاوف طرف واحد لن يؤدي إلى تقليل الخوف لدى الطرف الآخر والذي من شأنه أن يحفز خوفه بتواتر للحفاظ على الهوية والبقاء من خلال جميع الوسائل المتاحة (المقاومة )والتي قد تبدوا للكثيرين أنها مشوه او مضطربة او عنيفة ...... انه دفاع عن الوجود والانقراض..... وهو أمر طبيعي صحي مبرر كما يؤكد ذلك العلماء النفسيين .
استشاري الإمراض النفسية والعصبية
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:24 pm من طرف الادارة
» رابط المدونة على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:20 pm من طرف الادارة
» مدونة عربي على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:19 pm من طرف الادارة
» تأملات
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي