اخلاص القاضي ' عندي اجتماع '.. جملة يختبىء المتذرع بها خلف ابعاد ثلاثية صغيرة لهاتف لا يتجاوز حجمه قبضة اليد ضاربا ' بعرض الهاتف' اي بعد يكتنفه غضب او عتب قد يفسره المتصل صاحب الحاجة او السؤال . ' عندي اجتماع ' لعلها اكثر الحجج الديبلوماسية المكشوفة والاكثر رواجا للتهرب من احد المتصلين عبر التلفون والتي اضحت ' دارجة ' على لسان معظم الاشخاص سواء اكانوا في مواقع المسؤولية او في سياق اعمالهم الوظيفية او الحرة .
ولعل ما يغيظ الشخص الذي يتلقى تلك الاجابة المقيتة انه يمارسها فعليا ولن يصدق والحالة هذه ما يجيد اتقانه مع الاخرين تهربا من التزام ما او انسحابا من موقف معين .
' ولا يمكن ان اعاود الاتصال بشخص اقتنعت بانه يتهرب مني خاصة اذا كان الامر ليس ضروريا ' ، هكذا تقول رانيا الموظفة في احدى الدوائر الرسمية مستدركة : اما اذا كان لي حق عنده سواء اكان ماليا او وظيفيا او اجتماعيا فانا اتقن لغة الالحاح والمحاصرة والمفاجئة الى ان احصل حقي باي طريقة كانت ، فاتجاوز الاتصال التلفوني الى لقائه شخصيا واحراجه وجها لوجه حينها لن يستطع التذرع باي اجتماع ، وقتها اكون انا محور الاجتماع وساصدق حجته اذا ما اتصل احدهم اثناءه. الشاب الثلاثيني نشأت القاضي الذي يعمل كضابط قروض في احدى الشركات التمويلية يقول ان الهاتف ركيزة اساسية تتعلق بصلب عمله وانه لا يمكن ان يلجأ الى التهرب من العملاء من خلال شيفرة ' عندي اجتماع ' كما يصفها ، لان المصداقية هي عماد سلوكه الوظيفي والتحدث مع الزبائن بكل شفافية ووضوح هو الاسلوب الامثل للنجاح والاستمرار موضحا : انه ما من مانع لقول الحقيقة اذا كان الانسان مشغولا فعلا في اجتماع ، واذا لم يصدق الطرف الاخر حينها فهي مشكلته لوحده .
يقول احمد الحجايا الموظف في احدى شركات القطاع الخاص انه يعرف العديد من الاشخاص ممن يتقنون هذه الحجة خاصة اذا كان المتصل بهم' زوجاتهم ' خاصة حين يتأخرون عن موعد العودة الى منازلهم حتى ساعات متأخرة من الليل ، كاشفا ان احدهم سره بان زوجته لم تعد تصدقه وباتت تتحدث اليه بسخرية مفادها : هل انتهى اجتماعك ام هناك اجتماعات لاحقة ؟! ومن شدة قهر احدى الزوجات من زوجها الذي يتحجج دائما باجتماعاته المفترضة ، شدت رحالها - كما تقول - الى مكتب زوجها الذي يعمل في تجارة العقارات واذا به يجتمع مع عدد من اصدقائه يتبادلون الحديث ويحتسون الشاي وما من امر ملح يؤخره ابدا عن الرد على هاتفها حتى يرافقها الذهاب الى طبيب الاسنان اثر وجع شديد الم بها ، معلقة : لقد احرج كثيرا بمجرد قدومي الى مكتبه ولكني لغاية الان لم اعرف مبعث احراجه ، اهو قدومي اليه او كذبه علي !؟ وتروي فتاة رفضت ذكر اسمها كيف وعدها احد الاشخاص بمساعدتها في امر ما ، فتقول وقد غص الدمع في عينيها : لم اجبره على التزامه ولم اطلب منه ذلك هو الذي تبرع وهو الذي انسحب دون ابداء اي اسباب او اعتذار مسبق ، مضيفة ، فقط يجيب على هاتفي ليرد بصوت لئيم : اسف اكلمك لاحقا عندي اجتماع ، متسائلة : لماذا يكذبون بهذه الطريقة المكشوفة ، وتعلق : انا اعرف السبب ولكني لا استطيع البوح به ! وتوضح سيدة اربعينية يعمل زوجها في القطاع العام انها تعرف اوقات اجتماعات زوجها حيث يعمل ولا تقوم بازعاجه حينها او الاتصال به الا للضرورة القصوى ، وهو غير مضطر ابدا كما تنوه الى الكذب عليها او التحجج باجتماع لانه صادق معها وتعرف ادق التفاصيل عنه وعن طبيعه عمله .
ويرى استاذ علم النفس الدكتور سامي الختاتنة ان من يقوم بهذا السلوك هو انسان يعاني من عقدة ما ويرنو الى الجاه والسلطة وربما يحلم بهما ، وهو اذ يتلذذ في جعل الناس ينتظرونه بحجة الاجتماع انما يعبر عن النقص الذي يعاني منه والمكانة التي يتطلع اليها .
ولا يبتعد سلوكه هذا كما ينوه عن الكذب الناجم عن منظومة قيمية محيطة به تبرر له ذلك خاصة - اذا كان في موقع المسؤولية - وذلك تزلفا ومجاملة وربما خوفا على رزق ما او علاقة ما ، اذ يسهم من يحيطون به بكذبه بطريقة او باخرى كأن تنوب عنه السكرتيرة او مدير المكتب او زميل له حين يؤكدون على لسانه بانه مشغول .
ويمارس البعض هذه الكذبة كوسيلة دفاعية وفقا لاستاذ علم الاجتماع الدكتور سليم القيسي بغية الخروج من مأزق او التزام او لاخفاء حقيقة او استغلال منصبه ليكسب الضعفاء او لعدم قدرته على تحقيق الذات بطريقة سليمة فيلجأ الى التسويف والمراوغة .
ويدعو الدكتور القيسي من يريد حاجة بذلك المتهرب كما يصفه الى عدم الاستسلام والالحاح عليه وخاصة اذا كان صاحب حق مشيرا الى ان المجتمعات المتقدمة لا تلجأ الى انتهاج هذا الاسلوب بسبب الوضوح والمكاشفة في العلاقات والصراحة التي تريح كل الاطراف فيما تكثر في الدول التي تستشري بها الواسطة والمحسوبية .
ويقول ان الشخص الواضح الذي يقر لصاحب الطلب او الحاجة بانه فعليا لا يستطيع القيام بذلك يكسب احترامه فيما تنكشف حقيقة المتذرع ليخسر مصداقيته وسمعته بين الناس .
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:24 pm من طرف الادارة
» رابط المدونة على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:20 pm من طرف الادارة
» مدونة عربي على الفيسبوك
الأحد سبتمبر 01, 2024 2:19 pm من طرف الادارة
» تأملات
الإثنين أبريل 29, 2019 3:35 am من طرف عربي
» اخر نص ساعة
الإثنين أبريل 29, 2019 3:34 am من طرف عربي
» اختلاف
الإثنين أبريل 29, 2019 3:32 am من طرف عربي
» الاحتلال
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 2:21 am من طرف عربي
» رجال كبار
السبت أغسطس 12, 2017 7:58 pm من طرف عربي
» صراع الحكم في الغابة
السبت يونيو 24, 2017 8:08 am من طرف عربي
» طخ حكي
السبت مايو 20, 2017 4:45 am من طرف عربي